• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عادل عبدالمهدي: لحظة إصلاح أم خيبة أمل؟

د. أحمد الميالي

عادل عبدالمهدي: لحظة إصلاح أم خيبة أمل؟

فشلت كلّ المحاولات في عراق ما بعد ٢٠٠٣، لتشكيل لحظة إصلاحية، مبنية على تأسيس مستقبل عنوانه الديمقراطية والتحديث.

إذ ضيعت انتهازية النخب السياسية فرص الإصلاح التي وفّرها النظام السياسي العراقي والمجتمع، فكانت النتيجة انتصاراً للاستمرارية بضياع لحظات تحقيق الأهداف المطلوبة، وتجديداً للقواعد التقليدية ثقافةً وسلوكاً، فَمَثلَ ضغط البُنى التقليدية وخوف النخبة من محاولات التغيير وتفضيل صيغ التوافق والشراكة والمحاصصة والترحيل: سياسات بعيدة التفكير عن منطق الدمقرطة والمأسسة.

ورغم أنّ التغيير الذي حصل بتكليف عادل عبدالمهدي رئيساً للوزراء بعيداً عن منطق الكتلة الأكبر والأحزاب السياسية المهيمنة يمثّل فرصة لوضع الحيز الأكبر من الإمكانات الجديدة الداعمة لحكومة مستقلة قادرة على الإجابة عن الأسئلة المستعجلة التي يواجهها العراقيون، كما رأى الكثير أنّ حيثيات الاتفاق السياسي الحاصل بين تحالف الفتح وسائرون يمثّل فرصة لتشكيل ميثاق سياسي جديد ينقل السلطة من هيمنة الأحزاب إلى التقيد بنصوص الدستور وتفتيت مكونات نظام المحاصصة القديم.

 لكن بمرور الوقت تحول الأمل إلى خيبة وسرعان ما تبددت لحظات الحماس الأُولى وانحسرت مراهنات التفاؤل بعد تقديم أسماء الكابينة الوزارية، فاكتشف الجميع وهم الإصلاح ويوتوبياً التغيير وتمت استعادة الاشتغال بآليات المرحلة السابقة المبنية على منطق إبرام الصفقات التواطئية واستمرت النخب السياسية تدافع عن استحقاقاتها واسترجعت تدريجياً مواقعها وأدوارها التقليدية رغم محاولات البعض للتأسيس لوجود أسلوب جديد للحكم والتدبير السياسي لاستغلال الفرص الضائعة لمعانقة الخيارات الإصلاحية، لكن اتّساع البُنية الرافضة للتغيير والاستبدال واستبعاد الاتكاء على منطق التكنوقراط والمستقلين والكفاءات وتقوية جبهة الاختيارات المنطلقة من نماذج الشراكة وتقاسم المصالح الحزبية، هي التي سادت، وغابت السياسات الفعلية التي أرادت إعادة النظر في جوهر المشاكل التي يمر بها العراق.

إذ رأت الأحزاب أنّ هذا الانتقال في آلية تسمية رئيس الوزراء قد يؤدِّي إلى أزمة في قواعد اللعبة السياسية إذا أنتج بناء سياسي جديد، لكن يُتوقع بأنّ هذا الانتقال كان مناورة اضطرارية مؤقتة لجأت لها الكتل السياسية نتيجة تقارب النتائج الانتخابية وصراع القيادات السياسية، ويمكن رصد وقراءة هذا الانتقال عبر ثلاث مستويات:

الأوّل- المستوى المجتمعي: تمت الإحالة إلى تكليف عادل عبدالمهدي نتيجة ضغوطات مجتمعية ارتبطت بالاحتجاجات في البصرة ومناطق أُخرى أعطت انطباعاً بأنّ تكليف حيدر العبادي أو أي شخصية حزبية تقليدية سيكون مرفوضاً ويعقد المشهد الاحتجاجي، فالمجتمع بدأ لا يستجيب لتمثيلات الرمز السياسي وبدأت تتراجع هذه الفكرة في الذهنية المجتمعية، ولكن السؤال الذي يطرح هنا إلى أين ستقود فكرة وقوع التغيير خارج نسق المحاصصة الحزبية والاستحقاق الانتخابي؟

الثاني- المستوى الإجرائي: هل أنّ عملية اختيار عادل عبدالمهدي تم وفق الاتفاق على اختيار شخصية مستقلة بالمعنى الكامل؟، وهل هو من خارج رَحِم العملية الحزبية؟، وهل المسوغات التي قدمت لتبرير تكليفه كانت وفقاً للإجراءات الدستورية؟، فهنالك مَن شكك بهذه الخطوة من حيث تجاهل هوية الكتلة الأكبر التي تطرح مرشحها للحكومة، ورغم إمكانية التعايش مع هذا السياق الجديد في التكليف مع الآلية السابقة إلّا أنّ مخرجات التكليف قد تعيد إعادة طرح سؤال العلاقة بينه وبين الكتل التي رشحته، فهل سيبقى مستقلاً؟، أم سيندفع سياسياً باتجاه خيار سياسي ما؟ أم سيتم إفشاله إذا لم يفعل ذلك؟.

الثالث- المستوى السياسي: هل يمكن اعتبار ما حدث من انتقال في آلية تسمية رئيس الوزراء كان مهيأ له في إطار ميثاق سياسي وطني توصلت إليه القوى السياسية عن قناعة تامّة؟

فهذه الآلية إذا ما افترضنا الإجابة بالإيجاب عن السؤال أعلاه فنحن مستقبلاً أمام مراحل سياسية تتكرر فيها هذه الآلية باعتبار أنّ الفاعلين السياسيين حسب هذا الميثاق سيشكّلون وظيفة سليمة تراتبية تضمن وتحمل تلك الإجراءات نحو المستقبل. أي يجب الحديث عن نهاية مرحلة المحاصصة والكتلة الأكبر إلى مرحلة جديدة بفهم وتأويل معين للقواعد السياسية مبني على مقولات التحديث والتجديد والإصلاح عبر تمرير القوى السياسية صُوَر غير مألوفة إلى الساحة السياسية حاملة لفكرة القطيعة مع المعطلات والمعوقات التي واجهت العملية السياسية.

هذه المحدّدات تعني أنّ النخب السياسية تتصرّف كفاعل يحاول دمقرطة النظام السياسي وفق السياقات الدستورية الثابتة، ولكن ما يُثار هو أنّ هنالك مَن يقول إنّ بواعث هذه النخب كانت تتحرّك بنسق سياسي مشبع بالتأويل الشخصي والحزبي عبر قوالب محدّدة، ولازالت هذه النخب تعيش بالمكتسبات السياسية الموروثة التي عقدت المشهد السياسي العراقي.

ولتجاوز عقبات المستويات الثلاث أعلاه بإمكان النخب السياسية أن تبني آلية اختيار رئيس الوزراء بدعم أداءه الانجازي في اتجاه إحراز الإصلاح وفق مقاربة تستحضر المقتضيات التالية:

1- إنّ عملية الانتقال نحو أي خيار إصلاحي لابدّ أن يتم خارج حصار مستوطنات الكتل السياسية ويتم ترسيمه في مؤسّسات قادرة على بناء فضاء سياسي جديد يُدار بقواعد لعبة تهدف بالانتقال من سياقات مغلقة إلى مفتوحة لتحقيق الأهداف وتنفيذ البرامج.

2- إنّ عملية الانتقال نحو الخيارات الإصلاحية لابدّ أن يُدار بنخب حاملة لفكرة الإصلاح والتغيير ويتم تجسيد هذه الرؤية في ميثاق وطني للتغيير يؤسّس للحظة قطيعة مع العقبات السابقة ويؤسّس لمشروع سياسي لمرحلة تتجاوز تلك العقبات.

3- أهم مكامن القوّة الدافعة لعملية الانتقال تترجم في أجندة وبرامج مدروسة تحدّد فيها الأطراف السياسية أولوياتها وفق إستراتيجية واضحة وتتعهد بتنفيذها. فليست الآلية هي الهاجس إنّما استبدال النخب السياسية طُرُق التدبير السياسي لولوج مرحلة جديدة عنوانها الإصلاح الحقيقي.

إنّ مقولة حيادية واستقلالية رئيس الوزراء لم تنسحب على اختيار الوزراء فقد تم تكريس سيناريو الحكومة الحزبية في وقت تفترض فيه عملية التحديث السياسي وجود الفاعل اللاحزبي، رغم أنّ أي حكومة لابدّ أن تنبثق من إرادة الناخبين وتعكس طبيعة الخريطة الانتخابية وإلّا ما الجدوى من السباق الانتخابي إذا كانت المخرجات تذهب للفاعل اللاحزبي؟

فالمعروف أنّ قواعد الديمقراطية تقتضي أن يكون رئيس الحكومة هو مرشح الكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات أو المتشكلة داخل البرلمان حسب الحالة العراقية، لكن هذه القواعد لم تشتغل بالمنهج المطلوب ولهذا اضطرت النخب السياسية للانتقال من الخيار التوافقي الحزبي إلى الخيار اللاحزبي، وهذا قد يجعل من رئيس الوزراء رهينة إرادات وضمانات القوى التي رشحته كما اتّضح ذلك بضمانها التمثيل السياسي في الحكومة وتعطيل بعض الوزارات نتيجة هذه الآلية.

فالأحزاب تؤمن أنّ صناديق الانتخابات هي المالكة لسلطة التمثيل السياسي في الجهاز التنفيذي فهي تحرص على عدم تهميش وظيفة الانتخابات، إذ أنّ الانتخابات في العراق لا تكمن أهميّتها في البحث عن النموذج الجيِّد والممارسة السليمة والنزيهة للاقتراع، ولكن تكمن في مدى قدرة الكتل السياسية المتنافسة على تحويل الاقتراع إلى سلطة مبنية على منطق المشاركة في تركيبة الحكومة، وفي ظل فلتان منصب رئيس الوزراء والوزارات منها ستصبح الانتخابات مجرد طقس سياسي وليس ممارسة تحرص فيها على تحقيق أهدافها بالوصول إلى السلطة ولهذا تسابقت الكتل السياسية إلى تدابير تعويضية في مجمل الكابينة وبقية المؤسّسات.

بالمقابل على عادل عبدالمهدي أن يثبت أنّ ثمّة شرطي جديد في المدينة، وعليه أن يعيد النظر ببعض الوزراء الذين فرضوا عليه أو مَن سجّلت عليهم مؤاخذات سلبية، كما عليه أن يواجه الكتل السياسية التي تريد نهش الحكومة والمواقع المهمّة، وأظنّ أنّ اللحظة الإصلاحية المتشكلة أمامه من أهم اللحظات التأريخية فلا شيء لديه ليخسره لا حزب ولا انتخابات، وهو رجل حوار وهادئ وتُبنى ثقافة الاستقالة لا الاستطالة في المواقع، فعليه أن يستثمر تلك اللحظات ويتواصل مع الفواعل الدينية والاجتماعية والإعلامية إضافة إلى إدارة الملف الإقليمي والدولي بتوازن دقيق، وأن يواجه تحدّيات الأمن والاقتصاد والخدمات والعلاقة مع الفرقاء السياسيين بمنطق الحسم لا الترحيل والترقيع والتأجيل، إذا مادشن هذه المقاربة المنطقية فسيكون عبدالمهدي ظاهرة إصلاحية واعدة، أمّا إذا استجاب لضغوطات الكتل السياسية وترضيتها فخيبة الأمل ومشهد العودة للبُنى المخزنية القديمة إلى الساحة السياسية سيكون هو السائد.

ارسال التعليق

Top